التوازن الاحيائي يسهم في تقليل التلوث البيئي

الاختصاصي في علوم الأنواء الجوية بالجامعة المستنصرية د. نعمة الفتلاوي:

بغداد ـ مجلة الصباح

تتميز البيئة الطبيعية بالتوازن الدقيق القائم بين عناصرها المختلفة، وإذا ما طرأ أي تبدل على نوع ما في إحدى هذه المكونات فتظهر آثار هذا التغيير، ومن أمثلة ذلك تجديد الطبيعة للأشجار بعد ان تقضي الحرائق على مساحات من الغابات، وهذا التوازن بين العناصر المكونة للبيئة يسمى (التوازن البيئي) وإن أي تغيير لعناصر البيئة غير مرغوب فيه ناتج عن الانشطة البشرية التي تسبب ضرراً على صحة الإنسان والكائنات الحية يعد تلوثًا بيئيا، ولتسليط الضوء على هذا الموضوع، التقى ملحق “علوم وتقنيات” بالتدريسي في الجامعة المستنصرية قسم علوم الانواء الجوية الدكتور نعمة الفتلاوي ووجهت له اسئلة مختلفة بمحاور متعددة .

* هل هناك ترابط مابين التضخم السكاني والتلوث البيئي؟

ان تكدس السكان في المدن الكبرى له أضرار كثيرة،حيث يؤثرعلى محطات القوى وتنقية المياه، و الصرف الصحي وغيرها من تلبية احتياجات هذا التضخم الهائل من السكان ؛كذلك أدى التقدم الصناعي إلى إحداث ضغط هائل على كثير من الموارد الطبيعية، فلم تعد البيئة قادرة على تجديد مواردها، واستهلاك النفايات الناتجة عن نشاطات الإنسان المختلفة، فالدخان المتصاعد من عوادم السيارات ومداخن المصانع ومحطات القوى بالإضافة إلى بعض الشوائب أو أبخرة الفلزات الثقيلة كالرصاص أدت إلى تلوث الهواء، حيث تبقى هذه الأدخنة معلقة في الجو عدة أيام .هذا مانسميه بالضباب الدخاني، وأن آثارها الخطيرة لا تظهر على الإنسان مباشرة وانما بمرور الزمن .

* ماهي ابرز الظواهر البيئية التي تؤثر على النباتات والكائنات ؟

التلوث الهوائي يتسبب في الأيام الماطرة بما نسميه الأمطار الحامضية وهي ظاهرة لفتت الأنظار إليها بعد أن ألحقت الأضرار الكثيرة بالثروة الزراعة والحيوانية والسمكية وفق دورة الطبيعة والسلسلة الغذائية, وبحسب حركة الهواء ينتقل التلوث من مكان إلى آخر, ومن بيئة جغرافية إلى أخرى, إذ تذوب العوالق في بخار الماء المحمول في الهواء لتعود ثانية إلى التربة, فإذا أضفنا إلى ذلك إلقاء الفضلات،بما فيها الفضلات الآدمية, والمخلفات الصناعية ونواتجها الكيميائية ذات السمية العالية في المجاري المائية, لأدركنا حجم المشكلة التي تعيشها البيئة بسبب صنيع الإنسان وجهله بمضار فعله،على الرغم من تقدمه وازدياد وعيه وعلمه. والأمر الآخر الذي زاد الامر سوءا وعبئاً فادحاً استخدام الإنسان المفرط للمواد الكيميائية في كل الميادين،وتعد المبيدات الحشرية المستخدمة في مكافحة الآفات الزراعية, من أخطر هذه المواد وأكثرها انتشاراً, حيث تمتص النباتات هذه المواد وتخزنها في أنسجتها, ثم تنتقل بعد ذلك إلى الحيوانات التي تتغذى عليها, وتظهر في ألبانها ولحومها, وتسبب كثيراً من الضرر لمن يتناولها, كالاضطرابات في وظيفة المعدة والكبد وبعض مظاهر الخمول والتبلد, وأحياناً تؤدي إلى تدمير العناصر الوراثية في الخلايا وتشويه الأجنة, اضافة إلى ذلك إنها تسبب قتل الكثير من الطيور والأسماك عن طريق سلسلة الغذاء. ولا يقل التلوث بالأشعة خطورة عن غيره, إذ ترجع خطورة تعرض الجسم للأشعة إلى تأيين محتويات الجسم, حيث تتفاعل الأشعة المؤينة مع مكونات الخلية الحية, الأمر الذي يؤدي إلى اضطراب نشاطها الطبيعي, وتتراكم هذه الاشعة في جسم الإنسان محدثة خللاً كبيراً تتزايد خطورته كلما قربت المسافة بين الجسم ومصدر الإشعاع, وكلما طالت مدة التعرض له. أما عن آثارها المخربة والمدمرة على الصحتين الجسدية والنفسية, فإنها تؤثر في عمل الغدد الدرقية, مما يتسبب بالوهن وضعف بالانتباه, وعدم التركيز, وكثرة النوم إذا قل إفراز هرمون التيروكسين, ويتسبب بالعصبية والتهيج واضطرابات النوم وعملية الاستقلاب الغذائي اذا زاد إفراز هذا الهرمون, أضافة إلى ذلك تخريبها الجلد وجهاز التنفس وغيره. وهناك التلوث الضجيجي وهو أحد أنواع التلوث الخطرة, وخاصة في المدن الكبرى حيث يمتد إلى تلويث الحواس, الأمر الذي يؤدي إلى الإرهاق واضطرابات النوم وإلى حالة من التوتر,فتزداد نسبة الكوليسترول في الدم, ويضطرب عمل الغدد الصم فتترك آثاراً نفسية وعصبية خطيرة, أبسطها سرعة التهيج واضطراب الإدراك والحواس. ولا بد من الاعتراف بأن السلوك الشائع للإنسان مع الطبيعة من جهة ثانية, أو الاعتراف بالتناقض بين وعي الإنسان بمشكلات البيئة .

المواد الصلبة المعلقة

* ماهي ابرز الملوثات البيئية ؟

هنالك العديد من ملوثات الهواء أهمها وأكثرها انتشاراً التلوث بمواد صلبة معلقة كالدخان، وعوادم السيارات، والأتربة، وحبوب اللقاح، وغبار القطن، وأتربة الإسمنت، وأتربة المبيدات الحشرية، والتلوث بمواد غازية أو أبخرة سامة وخانقة: مثل الكلور، وأول أوكسيد الكربون، ثاني أوكسيد الكبريت، الأوزون، فضلا عن التلوث بالبكتيريا والجراثيم، والعفن الناتج من تحلل النباتات والحيوانات الميتة والنفايات، والتلوث بالإشعاعات الذرية الطبيعية والصناعية: ظهر هذا التلوث مع بداية استخدام الذرة في مجالات الحياة المختلفة، وخاصة في المجالين: العسكري والصناعي، وقد ظهرت بعد ذلك أنواع من الملوثات،فمثلاً عنصر الاسترنشيوم /90/ الذي ينتج عن الإنفجارات النووية يتواجد في كل مكان تقريباً، وتتزايد كميته مع الازدياد في إجراء التجارب النووية، وهو يتساقط على الأشجار والمراعي، فينتقل إلى الأغنام والماشية ومنها إلى الإنسان وهو يؤثر في انتاجية اللبن من الأبقار والمواشي، ويتلف العظام، ويسبب العديد من الأمراض وخطورة التفجيرات النووية تكمن في الغبار الذري الذي ينبعث من مواقع التفجير الذري، حيث يتساقط بفعل الجاذبية الأرضية، أو بواسطة الأمطار، فيلوث ويتلف كل شيء، فضلا عن التلوث الإلكتروني وينتج عن المجالات التي تنتج حول الأجهزة الإلكترونية ابتداءً من الجرس الكهربي والمذياع والتليفزيون، وانتهاءً بالأقمار الصناعية، حيث يحفل الفضاء حولنا بالموجات الراديوية والموجات الكهرومغناطيسية وغيرها، وهذه المجالات تؤثر على الخلايا العصبية للمخ البشري، وربما كانت مصدراً لبعض حالات عدم الاتزان، حالات الصداع المزمن الذي تفشل الوسائل الطبية الاكلينيكية في تشخيصه.

عمليات بايولوجية

* ماهي ابرز الملوثات المائية ؟

يعد تلوث الماء من أوائل الموضوعات التي اهتم بها العلماء والمختصون بمجال التلوث، وليس من الغريب إذن، أن تكون حجم الدراسات التي تناولت هذا الموضوع أكبر من تلك التي تناولت باقي فروع التلوث، حيث تكمن أهمية الماء وضرورته، فهو يدخل في كل العمليات البيولوجية والصناعية، ولا يمكن لأي كائن حي مهما كان شكله أو نوعه أو حجمه أن يعيش بدونه، فالكائنات الحية تحتاج إليه لكي تعيش، والنباتات هي الأخرى تحتاج إليه لكي تنمو، وقد أثبت علم الخلية أن الماء هو المكون المهم في تركيب مادة الخلية، وهو وحدة البناء في كل كائن حي،نباتا كان أم حيواناً، وأثبت علم الكيمياء الحيوية أن الماء لازم لحدوث جميع التفاعلات والتحولات التي تتم داخل أجسام الأحياء،فهو إما وسط أو عامل مساعد أو داخل في التفاعل أو ناتج عنه، وأثبت علم وظائف الأعضاء أن الماء ضروري لقيام كل عضو بوظائفه التي بدونها لا تتوفر له مظاهر الحياة ومقوماتها، أن الماء يشغل أكبر حيزا في الغلاف الحيوي، وهو أكثر مادة منفردة موجودة به، إذ تبلغ مسحة المسطح المائي نحو 70.8بالمئة من مساحة الكرة الارضية، مما دفع بعض العلماء إلى أن يطلقوا اسم (الكرة المائية ) على الارض،بدلا من الكرة الأرضية . كما أن الماء يكون نحو( 0-70بالمئة من أجسام الأحياء بما فيها الانسان، كما يكون نحو 90 بالمئة من أجسام الاحياء الاخرى، وبالتالي فإن تلوث الماء يؤدي إلى حدوث أضرار بالغة ذي أخطار جسيمة بالكائنات الحية، ويخل بالتوازن البيئي الذي لن يكون له معنى ولن تكون له قيمة إذا ما فسدت خواص المكون الرئيس له وهو الماء .

ويتلوث الماء بكل مايفسد خواصه أو يغير من طبيعته، واختلاط مياه الصرف الصحي مع مياه الأبار والانهار والبحار والامطار والمياه الجوفية ما يجعلها غير صالح للإنسان أو الحيوان أو النباتات أو الكائنات التي تعيش في البحار والمحيطات، ويتلوث الماء عن طريق المخلفات الإنسانية والنباتية والحيوانية والصناعية التي تلقي فيه أو تصب في فروعه، كما تتلوث المياه الجوفية نتيجة لتسرب مياه المجاري إليها بما فيها من بكتريا وصبغات كيميائية ملوثة .

تتلوث مياه الأمطار خاصة في المناطق الصناعية لأنها تجمع أثناء سقوطها من السماء كل الملوثات الموجودة بالهواء، والتي من أشهرها أكاسيد النتروجين وأكاسيد الكبريت وذرات التراب، ومن الجدير بالذكر أن تلوث مياه الامطار ظاهرة جديدة استحدثت مع انتشار التصنيع، وإلقاء كميات كبيرة من المخلفات والغازات والاتربة في الهواء أو الماء، وفي الماضي لم تعرف البشرية هذا النوع من التلوث، لقد امتلئ الهواء بالكثير من الملوثات الصلبة والغازية التي نفثتها مداخن المصانع ومحركات الآلات والسيارات، وهذه الملوثات تذوب مع مياه الأمطار وتتساقط مع الثلوج فتمتصها التربة لتضيف بذلك كماً جديداً من الملوثات إلى تلك الموجود بالتربة، ويمتص النبات هذه السموم في جميع أجزائه، فإذا تناول الإنسان أو الحيوان هذه النباتات ادى ذلك الى التسمم، كما أن سقوط ماء المطر الملوث فوق المسطحات المائية كالمحيطات والبحار والانهار والبحيرات يؤدي إلى تلوث هذه المسطحات وإلى تسمم الكائنات البحرية والأسماك الموجودة بها، وينتقل السم إلى الانسان إذا تناول هذه الأسماك الملوثة، كما تموت الطيور البحرية التي تعتمد في غذائها على الاسماك . إنه انتحار شامل وبطيء يصنعه البعض من بني البشر، ولكن بعد أن يكون قد فات الأوان، لابد من الاهتمام بالبيئة ونشر الوعي بغية التقليل من التلوث البيئي .